هناك فئة من الكتب يكون بطلها الحقيقي القراءات السابقة للكاتب أو لنقل “رحلته مع القراءة”، وفي هذا الصنف من الكتب يتخلى الكاتب عن الأشكال النمطية للكتابة ويكون أكثر تحررًا، فيحكي عن قراءاته ورحلته مع الكتب، ورأيه فيها وفيما خلفته في نفسه مع الأيام، وذكرياته عن مكتبته، وتارة يحدد موضوعات بعينها ويتحدث عنها من خلال قراءاته السابقة، وتارة يقدم قراءة نقدية لمختارات منها. وفي كل هذا نرى التفاعل الحي بين الكاتب ومقروءاته، ونتبين كيف أن الكتب التي نقرؤها بمرور الأيام نعقد معها صداقات حقيقية فيكون لها الأثر البالغ في تكويننا المعرفي وإنضاجنا فكريًّا وثقافيًّا، تدخل إلينا أفكارها فتخلق خلقًا آخر.
وللقراءة في أمثال هذه الكتب أهداف كثيرة لعل من أطرفها أنها تساعدنا على التخفف من الهم الذي يشغلنا جميعًا بأننا قد فاتنا عدد ضخم من الكتب لم نقرأه بعد، لكننا بمجرد أن نقرأ في كتب سيرة القراءة هذه حتى تتوفر لنا معرفة من نوع خاص بمئات الكتب الشهيرة التي كنا نظن أننا بحاجة لقراءتها، لكن قراءتنا عنها أزهدتنا فيها وأعادت ترتيب أولوياتنا في القراءة. أو ربما صادفنا بابًا من المعرفة والأدب لم نكن نظن أنه سيغرينا بالقراءة حتى وجدنا من يقدمه لنا بالطريقة التي تناسبنا.
لهذه الطريقة في التعرف على الكتب بشكلٍ عارض وداخل سياقٍ أشمل طعمٌ مختلف تمامًا، لكن دعني أنصحك نصيحة -لوجه الله- لا تسمح لأحد من الكُتَّاب في هذه القائمة أن يحرق عليك الروايات، دعهم يتحدثوا كما يشاؤون لكن ابحث أنت عما تريد وعما يشبهك، وعلى كل حال فقد تجنبت في هذه القائمة قدر الإمكان هذا النوع من الكتب الذي يفرد فصوله لتلخيص الكتب وحرقها على القارئ، وتخيرت الكتب التي تتحدث عن القراءات عَرَضًا ضمن سياق أوسع بحديث عذب مسترسل وتداعٍ حر.
1. قصر الكتب - روجيه غرينييه
ترجمة زياد خاشوق، وصادر عن دار المدى عام 2018.
فصول هذا الكتاب عن موضوعات مختلفة تمس كلًّا منا عن الرحيل والحب والانتظار والذاكرة وغيرها، وبمجرد أن يبدأ في الحديث عن أي منها حتى يحكي لك عن عشرات الشواهد والاقتباسات من بطون الكتب التي قرأها، بسلاسة عجيبة وحس نقدي وذوق عال.
لا تفوت قراءة: هل ينقرض الكتاب الورقي؟
2. هوس القراءة - جو كوينن
ترجمة أنس محمد غطُّوس، وصادر عن منشورات وسم عام 2023.
أحد أكثر الأشياء المميزة لهذا الكتاب هو سخريته اللاذعة، فلا تخلو فقرة في هذا الكتاب من هذا الحس الفكاهي. إن مؤلفه “جو كوينن” أحد أبرز كتَّاب صحيفة وول ستريت جورنال، الذي يقول إنه يحصي بدقة عدد الكتب التي قرأها وقد بلغت 6128 كتابًا، يخبرك عن تجليات هوسه بالكتب وعن حبه لكل ما له علاقة بالكتاب، فإن كنت مهووسًا مثله فستبتسم من أشياء لن يفهمها سواك، كهذا القلق الذي ينتابك في أوقات الانتظار بأنك تضيع عمرك بدون كتاب في يدك حتى لو كان وقت الانتظار عشر دقائق.
كما سيخبرك عن كتبه التي يختارها ليصطحبها معه في أسفاره، وفي نزواته، وفي عمله، وفي المترو حتى وإن لم يستطع قراءتها؛ يحكي لك عن الدوافع السرية للقراءة، وستجد عنده بعض الأحكام الراديكالية المندفعة على موضوعات وكتب بعينها وستضحكك كثيرًا.
3. الأيك في المباهج والأحزان - عزت القمحاوي
صادر عن دار التنوير عام 2014.
ليس هذا الكتاب على شرط القائمة، فهو ليس كتابًا عن الكتب، وليس جمعًا لملخصات كتب مختارة، إنما هو كتاب محير فستعلم أثناء قراءتك له عن ماذا يتحدث، ولكنك سيصعب عليك تمامًا تصنيفه، لكنك ستستمتع من أول صفحة إلى آخر صفحة، وستخرج بقائمة قراءة طويلة.
4. الكتب في حياتي - هنري ميللر
ترجمة أسامة منزلجي، وصادر عن دار المدى عام 2013.
في هذا الكتاب تقرأ سيرة حياة رجل معجون بالكتب، وستعرف كيف يصادق الإنسان كتبه، ويستأثر بهم من دون الناس، والدرس الأهم الذي ستخرج به من قراءة هذا الكتاب للروائي والرسام الكبير هنري ميللر هو أنه لا شيء يعادِل التوجه صوب منهل المعرفة الأقدم والأبقى وهو الكتاب؛ إذا ما أردت أن تُحكم تكوينك الثقافي والمعرفي في أي مجال أردت، وأن الطريق الأصعب هي -على المدى الطويل- الأسهل، وأن الطرق المختصرة هي مضعية للوقت من حيث تظن أنها هي الموفرة للوقت والجهد.
5. قاعة من المرايا - دراسات أدبية عربية وغربية - ماهر شفيق فريد
صادر عن مكتبة الآداب عام 2011.
من الصعب أن يوصف هذا الكتاب بأكثر من العنوان الذي نصبه مؤلفه، هو بالفعل قاعة من المرايا، وهو مجرد نموذج لأحد كتب ناقد أدبي كبير، ولعله أحد أهم العارفين بالأدب والنقد الإنجليزي من المعاصرين وهو الأستاذ ماهر شفيق فريد.
وكتابه هذا من أضخم كتبه فقد جاوزت صفحاته ألف صفحة، ولكن لا يَهُولَنَّك هذا الرقم، فلعل هذا الكتاب من أمتع ما ستقرأ إن كنت محبًّا للأدب والتعريف بكتبه وأعلامه، ليس فقط لتنوع مادته بين الدراسات الأدبية والقوائم الببليوجرافية والتعريف بأعلام الأدبين العربي والإنجليزي ومصنفاتهم، ومختارات من الشعر المترجم، بل لأجل عذوبة أسلوب الرجل، وحديثه الحميمي عن كل ما يكتب، ولعله لم يكتب يومًا إلا عما يحب.
والشيء الذي جعلني أضع كتابًا كهذا في هذه القائمة هو جمل الأستاذ ماهر شفيق فريد الاعتراضية! أجل جمله الاعتراضية، وستفهم ما أقول إن قرأت الكتاب، أنصحك إن أردت أن تقف على كنوز من التفضيلات والترشيحات أن تنتبه كلما وجدت شرطة وجملة اعتراضية؛ ليس في هذا الكتاب فحسب بل في كتب الأستاذ كلها.
صادر عن مؤسسة هنداوي عام 2014.
كيف تخلو قائمة في مختارات القراءات من كتاب للعقاد، وهو الرجل الذي قد يتنازع الناس حوله في كل شيء؛ إلا في أمر واحد وهو أنه أحد أكبر القراء على الإطلاق، وأن قدرته على الحديث عما قرأه وموهبته في استثمار ما قرأه هي مدرسة في ذاتها. وهنا في هذا الكتاب ستجد إلى جوار التنوع في مقروءات الرجل عقلًا راجحًا وذهنًا ثاقبًا وأسلوبًا باذخًا.
في النهاية يمنحك هذا النوع من الكتب تذكرة ولوج إلى مكتبة كبيرة، تحوي آلاف الكتب داخل عقول كبار المثقفين، فإن كنت أحد محبي الأدب والقراءة، وتبحث عن المزيد من الكتب للقراءة، فقد تجد في هذا النوع ضالتك، وفي الوقت ذاته ستخوض رحلة ممتعة بين صفحات كل كتاب ضمن القائمة.