هذا الحراك الأدبي في الكتابة لليافعين ظل سنين مقصورًا على كتب الألغاز والكتب البوليسية والمغامرات، ولم يعتنِ الأدباء والروائيون بمراعاة التنوع فيه بين الشعر والنثر والرواية والقصة والمراسلات وغيرها من الأجناس الأدبية إلا في وقت متأخر جدًّا، ومع ذلك فإننا نجد اليوم وفرة نسبية من الأعمال الأدبية الموجهة لليافعين سواء المكتوبة بالعربية أم المترجمة.
وفي هذه القائمة راعيت أن أبدأ باختيار مجموعة متنوعة من روايات اليافعين ذات الطابع التأملي، والتي توفر للفتى في هذه المرحلة العمرية (12 إلى 18) رصيدًا من الحكمة والاطلاع على طبيعة المشاعر، وحقائق الحياة. على أن تتبع هذه القائمة قوائم ترشيحات أخرى في أدب اليافعين تغطي بقية الأغراض الأدبية.
الغول ونبتة العُلَّيْق - د. نسيبة العزيبي
رسوم: زينب فيضي (دار أشجار، 2020)
مَن منَّا لا يحب حكايات السحر وقصص الفانتازيا! الأطفال واليافعون والكبار يجدون في هذه القصص ما يدهشهم ويلهمهم، لكن هذه الرواية تحكي عن سحر من نوع خاص جدًّا، إنه السحر الذي يمكن أن يحوِّل غولًا وحشيًّا ضخمًا إلى كائن وديع! سحرُ فتاة صغيرة مسَّ الغولَ الغاضب المدمِّر الأهوج فصار شيئًا آخر يمتلئ بالرضا ويفيض بالحب ويقوى على آلامه وأحزانه. تُرى ما الذي أوصل الغول لهذه المرحلة؟ وأي شيء يحكي لنا ماضيه في طفولته عن حاله الساخطة هذه؟ وكيف جرى له هذا التحول الكبير؟ هذه الأسئلة ستجد أجوبتها في هذه الرواية الرمزية التي كتبتها الروائية الإماراتية نسيبة العزيبي، وهي وإن كانت موجهة لليافعين إلا أنها ستمس كل من سيقرؤها، حتى وإن ناهزوا مائة عام!
حكاية داخل حكاية - أحمد أوميت
(الدار العربية للعلوم، 2018)
يشِبُّ المرء ويهرم وربما يشيخ وتظل تأسره حكايات الأمهات والجدات لا يمل منها، يزعم الفيلسوف البريطاني برتراند راسل مفسرًا قوة الحكاية وسطوتها على مشاعرنا أن ما وصلنا من الحكايات الشعبية على لسان جداتنا هي الحكايات التي صمدت عبر الأزمان، وأنها عبر تناقلها الشفوي قد اكتست هالة من السحر وهو ما أعطاها هذا الخلود.
هكذا الحال مع الروائي التركي الكبير أحمد أوميت، فبالرغم من أنه قد نسي الحكايات التي سمعها من أمه صغيرًا، إلا أنه قرر أن يعود إلى البيت الذي ولد فيه في غازي عنتاب وأن يسجل هذه الحكايات الشعبية التركية ويدونها في هذه الرواية؛ خوفًا من ضياعها وكي تصل المغامرات والأخطار إلى الأجيال الجديدة وهم يبحثون عن لغز الحياة ومعناها النهائي.
لا تفوت قراءة: فن قراءة العقولِ: كيفَ نصبحُ مؤثرين في واقعِنا المُتسارعِ
مصنع الذكريات - أحلام بشارات
رسوم: ياسمين أبو المجد (دار السلوى، 2018)
هناك جبل في فلسطين يسمى «تل العاصور» هو ثالث أعلى جبل في فلسطين الجميلة المحتلة، يعتاد الكبار والصغار على تسلقه، وتجري أحداث روايتنا على قمته الشاهقة وتحديدًا تحت شجرة الخروب الكبيرة. بطل هذه القصة هو الفتى جابر الذي يدرس في الصف العاشر. فقد جابر أمه «غزالة» التي رحلت وتركت جابر متعبًا بذكرياته الجميلة معها. كل شيء يذكره بها. وربما نعتقد أن الحل الأمثل بالنسبة إليه هو النسيان، لكن جابرًا المتعب اكتشف مع أصدقائه حلًّا أفضل وهو إعادة تصنيع الذكريات! لكن ماذا يعني أن يصنع الإنسان ذكرياته؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الرائعة، هناك في أعالي «تل العاصور».
رسائل إلى الضائعين - بريجيد كيمرر
ترجمة: إكرام صغيري (دار كلمات الكويت، 2021)
ما الفرق بين أن يشعر أحدنا بالألم بعد فقده لأحد أحبائه وبين أن يشعر بالضياع؟ الضياع مرحلة شعورية خطرة لا ينبغي على الإنسان أن يخوضها وحده، لا سيما إن كان المفقود هو الأم، وكان الفاقد هو فتاة في الثانوية! هذا ما مرت به جولييت طالبة الثانوية التي فقدت أمها فتألمت ثم شعرت بالضياع وضاقت بها الأرض فلم تجد إلا أمها الميتة لتناجيها وتحدثها عن ألمها، فقررت مراسلتها بالبريد إلى المقبرة التي دفنت فيها، وظلت تواظب على ذلك إلى أن جاء يوم ووجدت ردًّا في صندوق البريد يشاركها فيه صاحبه آلامها! ترى من صاحب هذا الرد؟
حكاية قفائر النحل - جلال آل أحمد
ترجمة: غسان حمدان (منشورات الجمل، 2023)
قفيرة النحل هي الإطار الخشبي الذي يصنع النحل فيه الشمع والعسل، وفي هذه القصة للأديب الإيراني الكبير جلال آل أحمد يحكي قصة مزارع متسلط اسمه «کمدعلي بک» لديه مزرعة نحل يسيء فيها معاملة النحل ولا يوفر له الظروف المناسبة للإنتاج ومع ذلك لا يمل النحل عن العمل وإنتاج العسل الذي ينهبه ذلك المتسلط، إلى أن يقرر النحل أن يتوقف عن هذه المهانة ويتمرد على المزارع المتسلط.
وقد كتبت هذه القصة الرائعة لتعبر عن نهب الاستعمار البريطاني لنفط إيران، إن كنت قد قرأت رواية مزرعة الحيوانات وأعجبتك فستعجبك هذه الرواية بالتأكيد.
الوحيد والفريد آيفان - كاثرين آبلجيت
رسوم: باتريك كاستيلو، وترجمة: د. نسيبة العزيبي (دار أشجار، 2021)
ماذا لو كان لغوريلا محبوسة في مركز تجاري إدراك ووعي بشريان، وأنها ترمقنا وتتأمل فينا نحن بني البشر بمثل ما نحدق نحن بها، ماذا ستنتج من أفكار حول حياتنا وسلوكنا ومشاعرها؟
هذه باختصار هي الفكرة الرئيسية في هذه الرواية التي تحكي عن الغوريلا آيفان من نوع silverback الذي يتفرج عليه الناس وهو يرسم اللوحات وراء الزجاج في أحد المراكز التجارية، ليتكسب من بيعها صاحب المركز. والرواية تدور على لسان آيفان الذي يحكي عن حياته وتأملاته حول الناس وأفعالهم. إلى أن يلتقي بروبي الفيلة الصغيرة التي تسأل كثيرًا عن كل شيء، وستيلا فيل السيرك المصاب في قدمه، وبوب كلب الشارع، ومن خلال محادثته معهم يعيد التفكير في كل شيء.
اقرأ أيضًا: كيف تجعل القراءة نمط حياة روتيني؟
الفتاة التي اقتفت آثار شخصيات ابن المقفع - نبيلة محيدلي
رسوم: محمد سعيد بعلبكي (دار الحدائق، 2014)
وأخيرًا أحب أن أؤكد على ما قاله الأديب الكبير سي. إس. لويس: «قصة الأطفال التي لا يمكن أن يستمتع بها إلا الأطفال لا تُعدُّ قصة أطفال جيدة أبدًا». وأنا أؤكد لك أن هذه الروايات المختارة سيستمتع بها الأطفال والكبار على السواء، وسيجد كلٌّ مراده منها.