بزغ نجمه بوصفه مؤلفًا لخمسة عشر كتابًا في ميادين الأدب المختلفة، وتُرجمت بعضها إلى اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والكردية، والإيطالية، والألبانية، والبوسنية، والسويدية. كانت كتبه محط اهتمام النقَّاد والقرَّاء على حدٍّ سواء؛ فأشاد بها النقَّاد، وكُتبت عنها المقالات والدراسات.
فمن هو حاتم الشهري؟
«فلاحٌ في الأدب، أجمِّل وجه الحياة الكئيب، وأصنع من بنادقه منارات للإبداع ومآذن للجمال. أحوِّل المصيبة إلى جملة، وأحوِّر الدمعة إلى قصيدة تتناقلها الأجيال. أؤلف الكتاب تلو الكتاب، وهذي ضريبة لوجودي في الحياة، وثمن استهلاكي للأكسجين والكميات الكبيرة من الورق. لا أزعم أني نجحت في مساري؛ لكني حاولت وما زلت أحاول، وليس المهم الوصول، بل المهم أن أموت على الطريق. طريق ماذا؟ طريق الإبداع؛ طريق الملهمين؛ طريق الأفذاذ الذين بقوا في التاريخ والإنسانية عقودًا طويلة».
لم يكتفِ حاتم الشهري بنجاحه في هذا المجال، إذ فتح الباب على مصراعيه لمجال جديد في إدارة الأدب والثقافة، كان هو أول من طرقه في المملكة العربية السعودية. في هذا الحوار لن نتطرق إلى الأديب حاتم الشهري، إذ يمكننا أن نتعرَّف عليه من كتبه ومقالاته، بل سنتعرَّف على حاتم الشهري بوصفه أول وكيل أدبي في السعودية، وصاحب السبق في فتح هذا المجال، حتى قبل أن تفكر هيئة الأدب والنشر والترجمة في استحداث مهمة الوكالات الأدبية. تقدِّم وكالة حرف التي أسسها حاتم الشهري كافة الخدمات المتعلقة بالنشر، ومنها: التدقيق الإملائي، والتنسيق الداخلي، وتصميم الغلاف، والترجمة، وتحويل المصنف إلى أوعية أخرى مثل الكتاب الصوتي.
بدأ الشهري اهتمامه بصناعة الثقافة متطوعًا؛ يساعد المؤلفين في التواصل مع دور النشر التي يمكنها قبول أعمالهم، فهو بما يمتلكه من حس أدبي، وعلاقات جيدة مع الناشرين، ووجه مألوف بسبب حضوره المعارض ونشره للعديد من الكتب، يستطيع تحقيق هذه المهمة.
واستمر حاتم الشهري على هذا المنوال حتى كثر المؤلفون الذين يستشيرونه. لذا، كان لا بد من أن يتحول الأمر من المجانية إلى عمل تجاري منظم ومرتب. ونظرًا لعدم وجود وكالات أدبية وقتذاك، فقد أسس الشهري مؤسسة هدفها تدقيق الكتب، وتحريرها، ومراجعتها لغويًّا، حتى أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة مبادرتها للوكالات الأدبية، فكانت وكالة «حرف» التي أسسها حاتم الشهري هي أول وكالة أدبية في المملكة.
ويطرح الأستاذ حاتم الشهري معضلة أن تكون الأول، فهي من وجهة نظره ليست مسألة شرفية، بل هي تكليف، ويقول في أحد حواراته «الشعار لا يفيد ما لم يأتِ بجديد». هكذا بدأ الشهري يمهد الطريق لمن يأتي بعده. أما عن دوره في تشكيل المشهد الثقافي السعودي، فهو كما يصف نفسه «كشَّاف مواهب» مهمته البحث بين مئات ما يُطرح عليه من أعمال ليختار منها الأفضل، والذي يتوسم فيه موهبة أدبية، لهذا لم يكن غريبًا أن يختار كتابًا لأحد المؤلفين الشباب، يُرشَّح بعد ذلك للقائمة الطويلة لجائزة البوكر، وذلك على الرَّغم من أنَّه أول كتاب للمؤلف.
في حوارنا هذا مع الأستاذ حاتم الشهري، سنتعرف على المشهد الثقافي السعودي ورؤيته لتحولاته خلال السنوات القادمة، والتي يرى فيها خيرًا وأملًا، كما سنتجول معه في وكالة حرف الأدبية؛ كيف تعمل؟ وما هي أهم خدماتها؟
لقد خرجت صناعة النشر في العالم العربي من أزمة جائحة كورونا أقوى مما كنا نعتقد، وبدأ النشر يتطور تطورًا كبيرًا، فما هي توقعاتك للنشر في العالم العربي خلال السنوات القادمة؟
إنَّ النشر في السنوات القادمة سيكون مختلفًا على الأصعدة كافة، وذلك بحكم الوعي الكبير لمفاصل النشر الحقيقية في عالم النشر، ونقصد بها: المؤلف، ودار النشر، والوكيل الأدبي. فهذه المفاصل أضحى بينها تعاون غير مسبوق في الفترة الماضية، وسيكون للأوعية الصوتية والرقمية حضور لافت؛ لكن هذا لن يهدد النشر الورقي.
هناك العديد من التغيرات الجيوسياسية في خريطة صناعة النشر خلال السنوات العشر الماضية، حيث تراجع دور كلٍّ من بيروت والعراق، بينما هناك صعود للإمارات ومنافسة قوية من المملكة العربية السعودية، كيف ترى ذلك؟
هذه التغيرات صحية على المشهد الثقافي، وفي الوقت نفسه هذا تغير متوقع، لأن المنطقة برمتها تشهد حراكًا ثقافيًّا متسارعًا، فكان لزامًا صعود دول فتية وتنافسها في هذا المجال.
خلال الآونة الأخيرة، أفرزت ورش الكتابة ودورات الكتابة الإبداعية والوكالات الأدبية ما يُعرف بـ«صناعة الكاتب» فهل هي تخدم الثقافة أم تساعد في ظاهرة أنصاف الأدباء؟
يمكنك أن تجلب الفرس إلى النهر، ولكن لن تستطيع إجباره على الشرب. وكذلك الكاتب، من الممكن أن تتبناه، وتصقله، وتدربه؛ ولكن إن لم يستمر ويستثمر في ذاته فلن يكون أديبًا أبدًا، بل ربما يكون أديبًا لفترة، ولكن في النهاية سيلتهمه حوت النسيان.
وكيف ترى التطورات الأخيرة في المشهد الأدبي السعودي؟
المشهد الثقافي السعودي متسارع جدًّا، وذلك بفضل وجود وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة، التي غربلت المشهد الثقافي، وأعادت توهجه من جديد من خلال الفعاليات والمبادرات والمشاريع التي ينتفع بها المشهد المحلي، وكذلك المشهد الخارجي.
أنت أول وكيل، ومؤسس أول وكالة في المملكة، فكيف ترى «الوكالات الأدبية»؟ ما لها وما عليها؟
الوكالات الأدبية مسكينة جدًّا، لأنَّها في كثير من الأحيان -وخاصة في العالم العربي- مكروهة من الأطراف كلِّها؛ دار النشر لا تريدها، والمؤلف لا يثق بها، فيكون التحرك صعبًا على الوكالات الأدبية في مساحة ضيقة من الثقة. هناك أزمة ثقة ملحوظة، وهذا بسبب حداثة تجربة الوكالة الأدبية، وأعتقد أنَّ الزمن كفيل بإزاحة هذه الرواسب، وحتمًا سنجد أرضًا مشتركة لنا جميعًا.
دعنا نتحدث أكثر عن العمل داخل الوكالات الأدبية ووكالة حرف بصفة خاصة، كيف تعمل وكالة حرف؟
كم عدد موظفي الوكالة إذن؟
لدينا سبعة موظفين بدوام كامل، وعشرات الموظفين يعملون عن بُعد.
وأي نوع من الكتب تعملون عليه، الكتب الأدبية أم الكتب العلمية؟ وهل لكتب الأطفال نصيب من اهتمامكم؟
نعمل على الكتب الأدبية تحديدًا، أما كتب الأطفال فهي عالم مستقل، وليس لنا نية للدخول فيه على الأقل في الوقت الحالي.
كيف تحدث عملية التقييم؟ وما هي معاييره؟
يكون التقييم من خلال لجنة متخصصة وخبيرة في الجنس الأدبي المرسل. ولدينا معايير تتعلق باشتمال العمل على الأركان الأصيلة في كل جنس أدبي، وكذلك الجودة والإبداع الذي يتناوله العمل.
إذا أُجيز العمل منكم وكان لديكم بعض الاقتراحات فكيف يتعامل معها المؤلف؟ وهل رفض بعض المؤلفين اقتراحاتكم؟
نطرح رؤيتنا ورأينا على المؤلف، ولكن القرار الأول والأخير له، ونكون من البداية على بينة، ونوضح له طريقة عملنا، فلا نوقع مع أي مؤلف حتى يعلم سير العمل بكامله، ويكون مطلعًا على أدق التفاصيل.
ماذا عن العمل مع المؤلف قبل استكمال عمله. هناك بعض دور النشر تتولى العمل مع الفكرة نفسها وتعمل على تطويرها. هل تقومون بذلك؟
نعم، نحن نقوم بذلك، ولكنَّ قليلًا من المؤلفين من يأتوننا في هذه المرحلة، وهذه المرحلة من أحب المراحل وأهمها لدينا، فعندنا فريق محترف ومختص يقوم بمساعدة المؤلف للارتقاء بعمله إلى أفضل مستوى.
الشق المادي مهم جدًّا للكاتب والناشر وأنتم بين هذا وذاك، فهل لكم آلية محددة في تسعير خدماتكم؟
نعم أسعارنا هي متوسط أسعار السوق.
ماذا عن الدعاية والتسويق، هل تتابعونها مع الناشر، أم تفضلون القيام بها بأنفسكم؟
نعم نتابعها ولدينا قسمنا الخاص في التسويق.
وفي ختام حوارنا نؤكد على أن الوكالات الأدبية أمامها مشوار طويل، فهي ما زالت بعد في البدايات، فحتى اليوم سُجِّل في المملكة أربع وكالات أدبية، واثنا عشر وكيلًا أدبيًّا. أما في مصر فهناك أقل من خمس وكالات تقريبًا، وفي الإمارات لم تلق الفكرة قبولًا كبيرًا، فتأسست وكالة واحدة. ولكن يبدو أنه خلال السنوات الخمس القادمة سوف تتحرر صناعة النشر من عبء التعامل المباشر مع المؤلف، وسنجد عشرات الوكالات الأدبية في عالمنا العربي، وستتغير الخريطة الثقافية إلى حدٍّ بعيد. ولكن هذا يتوقف على الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الحكومية في التوعية بدور الوكيل الأدبي باعتباره وسيطًا ومفيدًا لكلا الطرفين؛ الناشر والمؤلف. بالإضافة إلى الجهد الذي يجب أن تلعبه هذه الوكالات في الحياة الثقافية، وما تحققه من نجاحات، هذا ما سيكفل لها التواجد على الساحة الثقافية وسيجد لها مكانًا في عالم صناعة النشر.